على الرغم من الرهانات المسبقة، على زيارة المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان الثالثة إلى بيروت، إلا أن غالبية القوى باتت تجمع على أن الرجل غير قادر على تقديم أي جديد يذكر، ما دفع إلى إنتقال الرهانات على إجتماع اللجنة الخماسية، الذي من المفترض أن يعقد في نيويورك الأسبوع المقبل، إلى جانب تلك القائمة على الدور الذي تقوم به قطر، على إعتبار أنها أكثر قدرة على تحقيق خرق ما.

في هذه السياق، تعود مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى التشديد على أن باريس وقعت في أكثر من "فخ" خلال مقاربتها الملف اللبناني، حيث ظنت أنها تملك قدرة أكبر من الحقيقة في المونة على الأفرقاء المحليين، بالرغم من أن التجارب التي خاضتها، منذ إنفجار المرفأ في 4 آب من العام 2020، تثبت العكس، وبالتالي كان من المفترض أن تتنبه إلى هذا الأمر جيداً.

بناء على ذلك، تستغرب هذه المصادر كيف سمح الجانب الفرنسي لنفسه بأن يتحول إلى فريقٍ في الخلاف اللبناني، بينما نجاحه في مهمته كان يتطلب منه أن يحافظ على الموقع الوسطي، القادر على التواصل مع مختلف الأفرقاء، وهو ما يظهره الإنقسام حول دوره بين الأفرقاء المحليين، لا بل صدور مواقف معارضة لما يطرحه، بدءاً من المقايضة بين موقعي رئاستي الجمهورية والحكومة، ووصولاً إلى طرح الذهاب إلى الحوار.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، مواقف لودريان، في زيارته الحالية، لم تخرج من دائرة التخبط المستمر، حيث ذهب منذ البداية إلى تأييد مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحوارية، بالرغم من أنه كان من المفترض أن يعلم مسبقاً أنها مدار إنقسام بين القوى السياسية اللبنانية، حيث أنّ موجة الرفض لها لا تقل عن تلك التي ظهرت عند توجيه السؤالين الفرنسيين إلى الكتل والشخصيات النيابية، ما يدفع إلى طرح علامات إستفهام حول الأسباب التي دفعته إلى ذلك.

إنطلاقاً مما يجري، تعتبر المصادر السياسية المتابعة أنه كان من الطبيعي أن تسرق الزيارة التي يقوم بها مفوض العلاقات الوطنية وعضو اللجنة المركزية في حركة "فتح" الوزير عزام الأحمد، إلى جانب تلك التي يقوم بها نائب رئيس حركة "حماس" في الخارج موسى أبو مرزوق، الأضواء من زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي، على إعتبار أن النتائج التي من الممكن أن تنتج عن الزيارتين أكبر، لا سيما على مستوى ضبط الأوضاع الأمنية في مخيم عين الحلوة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما حصل على هذا الصعيد يمكن النظر إليه من منظارين: الأول هو عدم التعويل على زيارة لودريان، على إعتبار أن نتائجها معروفة مسبقاً، وبالتالي الواقع ما قبلها سيكون هو نفسه ما بعدها، أما الثاني فهو المخاطر الناجمة عن إستمرار الإشتباكات في عين الحلوة، التي رُسمت حولها الكثير من السيناريوهات المتضاربة، فيما يتعلق بالأسباب والأهداف والنتائج التي من الممكن أن تترتب عنها، من دون تجاهل المسارات الرئاسيّة التي رُسمت من قبل البعض بناء عليها.

في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن نجاح مهمة الأحمد وأبو مرزوق، التي تحمل عنوان تثبيت وقف إطلاق النار في المخيم، تؤكد على المعادلة المعروفة حول منع إنزلاق الأوضاع الأمنية في لبنان إلى المجهول، بينما الفشل الذي يرافق لودريان يؤكّد أن الملف الرئاسي، في المرحلة المقبلة، سيكون أمام تطورات جديدة، عنوانها الأساسي البحث عن الرئيس الجامع أو التصالحي، الأمر الذي بات يتم الترويج له من قبل أعضاء اللجنة الخماسيّة، ومن المفترض أن يُكرس في إجتماع نيويورك تحت طائلة المزيد من الضغوط أو التهديدات.